Home »
حوار المواطن
فقيد الصحافة الجزائرية شوقي مدني لابنه: " دير أي شيء إلا الصحافة"
فقيد الصحافة الجزائرية شوقي مدني لابنه: " دير أي شيء إلا الصحافة"
شوقي مدني …واحد من ألمع الأقلام التي عرفتها الصحافة الجزائرية، من مواليد 20 نوفمبر 1956 بالمدية متحصل على شهادة ليسانس في الأدب العربي جامعة الجزائر جوان1985، التحق بالصحافة سنة 1985 وكانت بدايته في مؤسسة الشعب، لينتقل بعدها إلى أسبوعية الوقت التي عمل بها كرئيس تحرير ليحط الرحال في جريدة الخبر التي عمل بها لأكثر من 10 سنوات كصحفي ثم رئيس القسم الوطني، لينتقل بعد ذلك إلى يومية " يوم الجزائر" التي اشتغل فيها كنائب رئيس التحرير لتكون بعد ذلك أخر جريدة اشتغل بها شوقي. وافته المنية في 14 أكتوبر 2009 تاركا وراءه سيرة مهنية يحتذي بها.. في الذكرى الثانية لوفاته وتكريما له ارتأينا القيام بحوار مع أرملته "السيدة مدني فضيلة" التي أعطتنا الفرصة لنبحر في حياة شوقي الصحفي والرجل بأعين الزوجة..
- بعد مرور عامين على رحيل أستاذ الصحافة شوقي مدني، هل من الممكن أن تصفين لنا صورة " ما بعد الرحيل " ؟
السيدة مدني: ما بعد الرحيل،.طبعا لم تعد الحياة كما كانت، تصور رغم أن الموت حق لم أكن أتصور يوما انه سيفارقنا خاصة بهذه الطريقة.
كان خبر موته كالصاعقة، جملة صديقه وهو يخبرني عن وفاته لازالت ترن في أذني قلت له: ما بك هبلت ورميت الهاتف... شوقي لم يمت شوقي خطف من بيننا في رمشة عين... أكيد الحياة أصبحت صعبة جدا، الوحدة التي اشعر بها اليوم لا مثيل لها رغم أننا لم نعش كثيرا مع بعض، أقصد كان دوما غائبا من أجل العمل لكنه كان هنا موجود.. إلى جانبي وجانب أولاده.... نزيه وريم يتألمان لفراقه كثيرا وماذا عساهم يفعلون غير الدعاء له والإيمان بقدر الله..
- كلنا نعرف تعلق شوقي بمهنة الإعلام التي لم يفكر يوما في الابتعاد عنها.. هل لك سيدتي أن تُحدثينا عن شوقي " الصحفي " بأعين الزوجة ؟
السيدة مدني : شوقي أحب الصحافة حتى النخاع.... لم يكن أبدا ليبعد عنها مهما كانت الظروف.. لم يتخل عنها في السنوات الصعبة، كانت الصحافة تسري في عروقه رغم ظلمها له.. طبعا كزوجة لم يكن يعجبني غيابه الكثير من أجل العمل وتفضيل الصحافة مجبرا على عائلته، لكن ما باليد حيلة.. كان من الواجب احترام اختياره والعمل على أن ينجح فيه حتى وان كان ذلك على حساب سعادتنا كزوجين...
كتابات شوقي كانت سياسية، من خلالها تطرق لمواضيع جد حساسة... هل كان لهذا ردة فعل من جانبك ؟ أقصد ... ألم تطلبي منه يوما عن الابتعاد عن مهنة الصحافة؟.
السيدة مدني: كنا نتناقش حول مواضيع كتاباته خاصة الحساسة منها، لكن بدون أن أتدخل في رأيه، وهو كان مميزا في طرح مواضيعه بدون تجريح لأحد.. نصحته بالابتعاد عن الكتابة عندما أصبح مريضا وابتعد عنه أصدقاؤه... ترجيته أن يرتاح ويبقى معنا لكنه لأخر لحظة كان يريد أن يبقى في الصحافة وان يكتب.. فهو كما قال كالسمكة التي تخرج من الماء إذا ترك الصحافة فسوف ينتهي.
تنقل الفقيد بين العديد من الصحف اليومية في الجزائر، هل لك أن تخبرينا عن الصحيفة التي تعلق بها وأحب شوقي العمل فيها أكثر؟ وما السبب؟.
السيدة مدني : رغم عمله في عدة جرائد إلا أن جريدة الخبر تبقى عروسه المفضلة فقد أحبها حبا جنونيا حتى كتب في جريدة المحقق أن "زوجتي تخيرني بينها وبين الخبر"... .تصور انه مرض عندما استقال مضطرا من هذه الجريدة وكان ينتظر يوميا أن يكلمه احدهم للرجوع عن قراره لكن لا حياة لمن تنادي... كان يموت ببطء رغم انه أنهى مشواره في جريدة رائدة هي وقت الجزائر....
- هل فكر شوقي في العمل يوما لصحيفة أجنبية؟
السيدة مدني : لم يفكر في العمل مع جريدة أجنبية رغم أن جرائد ومجلات عربية أغرته بالعمل معها..
أكيد بحكم معايشتك وقرب الكبير من أستاذنا، فأنت على إطلاع على الكثير من جوانب حياته... كيف كانت علاقات شوقي بزملائه وأصدقائه والشخصيات التي عرفها؟.... هل بقيت هاته العلاقات بعد رحيله... أقصد هل استمر الوفاء لشوقي من خلال التواصل والاهتمام بعائلته؟
السيدة مدني : علاقاته كانت كثيرة مع زملائه وأصدقائه... كانت له علاقات طيبة مع مسؤولين كبار ووزراء وكتاب ومثقفين وو.. الآن هو تحت التراب فمن يسال عنه... أو يسأل عن عائلته... هذه هي الحياة..
من خلال كتاباته الصحفية عن كل ما هو سياسة وأحزاب... هل كان لشوقي انتماء لحزب معين أو تطلع سياسي ما؟.
السيدة مدني : كتب عن أحزاب عديدة لكنه كان حيادي في ذلك كثيرا.. هو لا ينتمي لأي حزب، كان يكتب عن حزب الارندي لأنه كان حاضرا كما قال عندما ولد هذا الحزب وكان بصدد الكتابة عنه في نهاية مشواره الصحفي إلا أن القدر كان أسرع..
كيف كان يتعامل شوقي مع كل ما يُوجّه له من كلام أو انتقاد بعد كل موقف يتخذه من خلال كتاباته؟
السيدة مدني : عادي لأنه متأكد من مصداقيته ومن مصادره...
مكانة شوقي الإعلامية التي يحلم بها أي إعلامي، لم تجنبه لمعاناته مع مشكل السكن، معاناة كنت أشرت إليها في مقالك لإحدى الصحف في اليوم العالمي للصحافة وحرية التعبير... هل لك أن تشرحين لنا أكثر؟.
السيدة مدني : مشكل السكن هو "كوشمار" حياته لم يستطع أن يتحصل على سكن رغم انه صحفي وعائلته تبعد عنه بمائة وخمسين كلم، .ورغم معارفه وعلاقاته مع كبار المسئولين، فهو لم يكن ليستغل ذلك لمصالحه الشخصية، فضّل أن يكون له ملف للحصول على سكن ككل المواطنين خاصة في إطار مؤسسة عدل البيع عن طريق الإيجار والتي كانت موجهة خاصة للطبقة المتوسطة، لكنه بعد الموافقة الرسمية يجيبونه انه لن يستطيع الحصول على ذلك لان زوجته متحصله على سكن من غرفتين على بعد 150 كلم من مقر عمله وهو السكن الذي تحصلت عليه في إطار عملي بالمستشفى كسكن وظيفي، المهم هذه النقطة بالذات أثرت على حياتنا كثيرا وأثرت عليه خاصة وعلى صحته ومنذ ذلك الحين وهو في دوامة مع المرض..
هل كان لهاته المعاناة تأثير معنوي أو مهني؟.
السيدة مدني : طبعا تأثر صحيا كما قلت ومهنيا، حيث أصبح كثير التفكير والغياب عن عمله لظروف صحية. إن كل همه أن يجمعنا سكن واحد ويخرج من تلك الغرفة الموجودة في إقامة الصحفيين بسيدي فرج، والتي كان يسكنها الصحفيون لظروف أمنية آنذاك.
.لكن بقي الحال كما هو حتى وافته المنية. كان يعمل كل ما في وسعه ليعوضنا أنا وأطفاله عن غيابه من اجل العمل، كان يحب أولاده كثيرا ويعرف أيضا انه ترك لي مسؤولية تربيتهم مجبرا كان دائما يقول لي" اسمحي لي على بالي أعييتك".
لذلك لم يعش في استقرار أسري ولم يكن له وقت كثير لنفسه أو لأسرته لان الصحفيين يعملون حتى في أيام العطل.
إقامته في سيدي فرج أثرت على صحته كثيرا، كان مصابا بداء الربو لا يحتمل الرطوبة الموجودة هناك، فقد مات وفي يده" بخاخة فونتولين"، رحمك الله يا شوقي أكيد انك تألمت كثيرا في هذه اللحظات، ليتني كنت معك..
من الجانب المهني نريد أن نطلع ولو قليلا على الجانب الشخصي للمرحوم، كيف كان شوقي " الأب " و" الزوج"؟
السيدة مدني : ظروفنا كزوجين كانت صعبة منذ بداية حياتنا مع بعض، لكننا كنا دائما بالمرصاد لها واجهناها بكل قوة وبقينا مع بعض لأخر لحظة.
تعارفنا كان بالجامعة كنا طلبة هو بمعهد الأدب العربي وأنا بمعهد الصيدلة شاءت الظروف أن نلتقي في حفل لعيد مجلة الوحدة مجلة الشباب آنذاك كل الطلبة كانوا مدعوين، حياتنا كانت مليئة بالمفاجآت السارة أحيانا ومحزنة أحيانا أخرى، والتقينا بعدها مرة أثناء مشاهدة مسرحية ومرة في الجامعة.
كانت أياما جميلة وبسيطة، وهكذا عشنا مع بعض أكثر من 20 سنة، إلى أن زاره اجله في يوم 14 أكتوبر 2009 بتلك الغرفة المشؤومه والتي لم يزرها منذ سنتين، وكأن القدر أعطاه موعدا هناك..
هل نصح " شوقي " يوما نزيه أو ريم أن يكونوا مثله تماما في ميدان "الإعلام"؟ .
السيدة مدني : بالعكس كان يقول لنزيه "دير وش تحب إلا الصحافة" لأنها لم ترقى إلى المستوى المطلوب في بلدنا..
ما هي الكلمة أو المثل الذي كان يردده كثيرا شوقي... الأكلة والموسيقى المفضلة لديه.. الأغنية التي كان يهديها دائما لك؟
السيدة مدني : أقول لك سر... كان يردد دائما "وطني وطني ليس فيه سكني" التي حفظناها في الابتدائي، كان يحب أكلة الكسكسى جدا كل جمعة لازم "الطعام"، أغنية كان يحبها ويرددها أمامي للشاب حسني لكني لن أقول عنوانها... كان يحب أم كلثوم كثيرا خاصة أغنية الأطلال وهذه ليلتي...
في إحدى الحوارات التي أجريت معه، كان أجاب عن سؤال يتعلق "بعدد الوردات التي أهداها لك" فكان جوابه:"لا أتذكر ... أظن أنني قدمت لها وردة قبل الزواج واثنين أثناء الزواج..." هل لك أن تجيبينا عن نفس السؤال؟ ..
السيدة مدني : سؤالك عن الورود جميل جدا... في وقتنا كان كل شيء بسيطا وردة جميلة كانت لها معاني كثيرة.
أتذكر ذلك اليوم جيدا يوم 5 أكتوبر سنة 1988 يوم الاحتجاجات في ذلك اليوم كان شوقي بالخدمة العسكرية بالبليدة وكنت أنا بمنزل عائلتي وهذا اليوم يصادف عيد ميلادي رغم كل ما جرى في ذلك اليوم، إلا أن شوقي جاء إلى بيتنا حاملا وردة جميلة وطرطة عيد الميلاد، لم يمكث كثيرا لأنه كان لابد أن يلتحق بالثكنة بسرعة، ولم يكن هناك لا هاتف محمول ولا مسج.
بعد الزواج لم يبخل أبدا شوقي أن يهديني ورودا في كل مناسبة، لأنه كان يعرف أنني أحبها جدا،
أخر عيد ميلادي بعث لي بمسج انقله كما هو "أهديك كل ما املك قلبي وحياتي تمنياتي بالصحة والسعادة وربي يحفظك لينا".
كلمة أخيرة ؟
السيدة مدني : رحمك الله يا شوقي وأسكنك فسيح الجنان..
رحم الله شوقي و أسكنه فسيح جنانه ...أتمنى لعائلته الكريمة كل الصبر على قضاء الله و قدره ...و أتمنى من كل صحفيي الجزائر الحذو حذوه في الإحترافيه و قدسية الرأي و الخبر الصحيح بعيدا عن كل طمع و ذل ...و بيع للضمائر ..كان بإمكان شوقي أن يكون صاحب سكن و صاحب أموال كثيرة لو أراد ..لكن مقابل بيع ضميره ...كما فعل الكثير .....لكنه بقي وفيا لمهنته حتى آخر لحظة من حياته ....فرحمة الله عليه رحمة واسعة ......و تحية راقية جدااااااااااا الى السيدة فضيلة ...
ردحذف